من بين الأسئلة التي تتردد علي ألسنة المبرمجين هناك سؤالان هما الأكثر ترددا (علي الأقل من وجهة نظري الشخصية)، و هما: "كيف أصير مبرمجاً محترفاً (أو: كيف أتعلم البرمجة حتي الاحتراف) ؟"، و هو السؤال الذي تسأله الأغلبية الساحقة من المبتدئين في عالم البرمجة (و ربما يسأله من وصل لمرحلةٍ متوسطة و لا يرضي بأن يقف عند تلك النقطة)، و السؤال الثاني هو: "كيف أزيد من إنتاجيتي كمبرمج (أو: كيف أستطيع أن أحسن من قدراتي و مهاراتي) ؟"، و هو السؤال الذي يشغل بال الكثيرين ممن وصلوا لمرحلةٍ جيدة أو متوسطة.
و بطبيعة حالتي كمبرمجٍ وصل إلي مرحلة ما بعد البدايات فإن السؤال الثاني شغل بالي كغيري، بل إن مسألة زيادة القدرات و تطويرها و الطريقة المثلي لمنهجية تحصيل العلم و الاستزادة منه كانت تشغل بالي في غير المجال البرمجي، سواءٌ كان هذا فيما يخص العلوم الحياتية الأخري التي أحبها (كالرياضيات علي سبيل المثال)، أو فيما يخص العلوم الشرعية (قرآن، سُنَّة، فقه، سيرة ... ). و لذلك فلفائدتي الشخصية و لفائدة غيري ممن يهتمون بذات النقطة: فقد رأيتُ أن أجمع النقاط التي أظن أنها ستفيد مَن يشغله نفس السؤال، و له نفس الرغبة في تنظيم أمور حياته حتي يصير أفضل حالاً بمشيئة الله تعالي.
هذه النقاط التي سأضعها فيما يلي لا تخص فقط العلم البرمجي، بل يمكن تعميم أغلبها (إن لم يكن بالإمكان تعميمها كلها) بشكلٍ أو بآخر لتشمل كافة الأنشطة العلمية و الفكرية، و إنما حصرتُها بالمجال البرمجي لأنه مجال تخصصي الذي يمكنني أن أشرح من خلاله تلك النقاط بشكلٍ جيد، كما أنه المجال الذي أري كثيراً من أهله يسألون ذات السؤال فأردتُ أن يكون كلامي واضحاً تماماً لهم، و كما سترون فإن بعض تلك النقاط يتعلق بما يجب عليك أن تفعله تجاه "الأسباب" و السُنن الكونية المؤدية للنجاح، و بعضها يتعلق بما يجب أن تفعله تجاه "مُسبِّب الأسباب" سبحانه و تعالي؛ فلا يمكن إهمال أيٍ من الشقين إذا أردتَ النجاح في الدنيا و الآخرة:
- إخلاص النية لله تعالي في الهدف من وراء العمل، و كذلك في كل خطوةٍ تخطوها في أعمالك، و التوكل عليه عز و جل حق التوكل؛ فقد قال رسول الله صلي الله عليه و سلم: { لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ: تَغْدُو خِمَاصًا وَ تَرُوحُ بِطَانًا } *، و الذكاء و راحة البال و التقدم العلمي كلهن أمورٌ من الرزق الذي يكتبه لك الله تعالي.
- ابتعد عن المُحبَطين و المُحبِطين حتي تحتفظ بحماس دائمٍ للعمل، و لا تقارن بين حالك و حال من هم أقل منك، بل دائماً قارن بين حالك و حال من تراهم أفضل منك علماً و عملا؛ لتزداد حماستك للحاق بهم و التفوق عليهم، و أري أن تقرأ كثيراً في سِيَر المبرمجين المخضرمين و قصص تأسيس و نجاح الشركات البرمجية العملاقة و المنتجات التقنية الهامة؛ فكلها أمورٌ تزيد من علو همتك و رغبتك في أن تسير نحو الأفضل و أن تصبح واحداً ممن يغيرون مسار العلم البشري (أو علي الأقل يجعلون شكل الحياة أجمل و أفضل).
- عدم تعجل الوصول للقمة و تحقيق كل الأهداف في وقتٍ قصيرٍ للغاية، و هناك في نواحينا في صعيد مصر مثلٌ عاميٌ يقول "العافية درجات"، بمعني أنك لن تنتقل إلي الحالة المثالية التي تتمني الوصول لها مباشرةً، بل ستنتقل من حالةٍ جيدة إلي ما هو أفضل منها حتي تصل لما ترغب فيه بالتدريج.
- الترتيب و تحديد الأهداف قريبة المدي و ذات الأجل الطويل، في حياتك عامةً و في عملك خاصة، و الحفاظ علي سيرك علي هذه الخطوات قدر الاستطاعة. أنا هنا لا أطلب منك أن تتحول إلي روبوتٍ آدمي، بل أطلب منك فقط أن تنظم حياتك قدر الاستطاعة و ألا تترك الفوضي تسيطر علي عالمك؛ فالترتيب سيجعلك تستغل وقتك أفضل استغلال و تنجز كثيراً من الأمور، علي الأقل بفضل الراحة النفسية التي أصبحت لديك بعد أن أصبحت "تعرف راسك من رجليك" كما يقولون.
- اعمل في الأوقات التي تصل فيها إلي ذروة التركيز و الصفاء الذهني و البعد عن الانشغالات، مثلاً يمكنك أن تعمل في الصباح الباكر بعد صلاة الفجر مباشرة. فحتي إن كنت تعمل ساعتها في سريرك فإن إنتاجيتك ستتضاعف و ستجد نفسك تعمل لساعاتٍ بدون توقف (قد جربتُ هذا بنفسي لعدة أيامٍ متتاليات، و استطعتُ بفضل الله تعالي حل مشاكل عويصة ببساطة أدهشتني !)، و يمكنك بعدها أن تنعم بقيلولةٍ جميلة (إن كنتَ ممن يحبون نوم الظهيرة الذي لم أعتد عليه)، و يمكنك أن تعمل كذلك من بعد صلاة العشاء إلي منتصف الليل، ثم تستريح لتعمل بعد الفجر ... و هكذا.
هذه الأوقات التي قلتُها لك هي الأفضل بالنسبة لي، لكن ربما تكون الأوقات التي تناسبك مختلفةً عنها، لذلك ففكر في البداية فيما يناسبك من الأوقات و احرص علي استغلاله جيداً.
- عند الملل الكاسح افعل أي شيء في صالح العمل حتي إن كان قليل الأهمية أو ذا ترتيب متأخر؛ فالمهم أن تستغل الوقت بشكلٍ صحيح حتي و إن كان هذا علي حساب ترتيب الأعمال، كما أن الإحساس بالإنجاز له مردوده المهم في حد ذاته، و كنتُ قد تحدثتُ عن هذه الجزئية في مقال "حَبِّر الورقة" باستفاضة، فيُرجي الرجوع إليه لمن أحب الاستزادة في هذه النقطة.
- الابتعاد عن الإزعاج و الضوضاء و الأشخاص اللزجين عند العمل، و يجدر بك أن تُخصص مكاناً هادئاً يُطل علي منظر طبعي و ذا إضاءةٍ طبعية للعمل فيه، و قبل البدء بالعمل احرص علي التخلص من التوتر و الإرهاق (يمكنك مثلاً أن تأخذ حماماً دافئاً أو بارداً حسب الطقس و حسب مزاجك الشخصي، و يمكنك تغيير ملابسك لما هو أكثر راحة و تشويشاً لك)، و من الأفضل أن يكون ذلك المكان بسيطاً و مرتباً حتي تصل لما تحتاجه بسرعة و بدون إضاعة الكثير من الوقت (مياه، عصائر، شطائر ... إلخ).
- اغتنم فرصة الصفاء الذهني التي تمر بها في أي وقت من الأوقات لتنجز عملاً ما في مشروعك، و لا تنتظر لتكون الظروف مواتية بشكلٍ أكبر. فمثلاً لو استيقظتَ في أحد الأيام مبكراً رغم أنه يوم إجازة، و وجدتَ أنك تشعر بالرغبة في العمل و القدرة علي الإنجاز: فلا تعد للنوم مرة أخري، و لا تقم حتي بالبقاء طويلاً في الحمام، و لا تضيع الوقت في أي أمرٍ غير ضروري قد يتسبب في ضياع الحالة المزاجية الرائقة التي وجدتَ نفسك عليها؛ بل افعل الأمور الضرورية بسرعة لتستغل حالتك الطيبة في إنجاز جزءٍ من عملك، ثم بعدها يمكنك تعويض ما فاتك من النوم أو الأمور الأخري، و صدقني أنك ساعتها ستكون مستريحاً نفسياً جداً لأنك انتهيتَ من بعض عملك. و بدأتَ يومك بإنجاز جيد (جربتُ هذا و وجدتُه من أجمل ما يكون بحمد الله تعالي).
- تخلص أولاً بأول من المشاعر السلبية و التوتر الذي قد يصيبك للعديد من الأسباب، و يمكنك التخلص من التوتر عن طريق:
- زيادة الجرعة الإيمانية، و الابتعاد عن وساوس الشياطين،
- النوم لفتراتٍ كافية، و ضبط المواعيد (النوم مبكراً و الاستيقاظ مبكراً)،
- التحدث مع الآخرين، أو التحدث بصوتٍ عالٍ مع النفس (لا تسرف في هذا و إلا أصابك الخبال)،
- الخروج للتنزه في أماكن مفتوحة فيها خضرة و ماء،
- الإنهاك في العمل الذي تخشي القيام به،
- ممارسة رياضةٍ عنيفة،
- الدخول في عراكٍ ساخن تفرغ فيه توترك (أمزح بالطبع) :)
اختر مما فات ما يناسبك و طبقه.
- كن مبتكراً و انظر إلي الأمور من وجهة نظر تختلف عن وجهة نظر الآخرين؛ فربما يكون هناك مَن هو أذكي منك و أكثر فضلاً و علماً (صدقني: دائماً هناك مَن هو أذكي منك و أكثر فضلاً و علماً)، و لكنك تستطيع التفوق عليه عن طريق النظر إلي المشكلات التي تحاولان حلها من نواحٍ لم يُفكر هو فيها، و اعلم علم اليقين أنه ليس هناك شيءٌ مستحيل إلا ما قال الله تعالي أو أحد رسله أو أنبيائه الكرام (صلوات الله و سلامه عليهم) أنه كذلك، أما فيما عدا مما قد يظنه الآخرون مستحيلاً فليس إلا عقبةً لها حلولها التي تحتاج للتركيز و بعض الوقت للوصول إليها.
- آمِن بالقاعدة الخاصة بي و التي تقول أن "متصفح الشبكة هو الصديق اللدود للمبرمج: أحد أفضل أصدقائه، و أحد أقسي أعدائه"، لذلك فابتعد عن متصفحات الشبكة قدر الإمكان إلا فيما يفيد عملك و تقدمك الفكري؛ فمتصفح الانترنت سيجعلك تنتقل من صفحةٍ إلي أخري و من موقعٍ إلي آخر حتي و إن كانت أهميته بالنسبة لك قليلة، و يمكنك الاستغناء عن التصفح العشوائي للشبكة باستخدام برامج العملاء client programs، يعني مثلاً يمكنك استخدام برامج قراءة تغذيات الـrss لكي تتابع آخر الأخبار و المقالات التي تهتم بها، (و لو قمت بربط ذلك البرنامج مع خدمة سحابية مثل feedly فستكون الفائدة مضاعفة).
و كذلك يمكنك استخدام أحد برامج عملاء twitter و/أو الـfacebook لتتخلص من الرغبة الكاسحة كل فترة في فتح المتصفح و تفقد الإشعارات الجديدة في الـfacebook و/أو twitter و/أو غيرهن، و احرص دوماً أن تختار البرامج التي تعرض "إشعارات notifications" لكي لا تحتاج لفتح البرنامج كل فترة إلا حينما تكون متيقناً من وجود ما قد يستحق فتح البرنامج لأجله.
بالنسبة لي فأنا أستخدم مجموعة من البرامج القوية لإبقائي بعيداً عن المتصفح قدر الإمكان، و تجدون مجموعةً من أهمهن في الصورة التالية التي التقطتُها لسطح مكتب حاسوبي:
و من أهم تلك البرامج:
"مواقيت الصلاة 8" الذي ينبهني إلي مواعيد كل صلاة و الوقت المتبقي علي أذانها؛ فينفع في الاستعداد و ترتيب المواعيد (تجدونه في الصورة العلوية في أسفل الركن الأيسر، عارضاً الوقت المتبقي علي صلاة الفجر).
{readiy} و هو قارئ خُلاصات rss، و هو من أكثر البرامج التي أستخدمها علي حاسوبي، كما أنه يمكن ربطه بحسابك علي موقع feedly لكي تحصل علي الجديد من هناك أولاً بأول، و من ميزاته أنه يقوم بعمل مزامنة دورية مع محتوي حسابك علي feedly و يعطيك إشعاراتٍ بالمقالات الجديدة التي لم تقرأها بعد، وهو الأمر الذي كنتُ أتمناه منذ فترة طويلة.
و يمكنك تصفح الجديد فيه حسب الفئة التي تريدها من بين الفئات التي أنشأتَها (الفئات المعروضة هنا من حسابي علي feedly):
البريد و أقصد به برنامج البريد الذي يأتي مع نظام windows 8، و هو برنامجٌ في غاية البساطة و الفعالية، و سيفيدك بشدة حينما تمتلك أكثر من بريدٍ رقمي (مثلي)؛ لأنه سيتيح لك الوصول إلي رسائلك فيهن و إمكانية الإرسال من أي بريد منهن من مكانٍ واحد.
twitter و هو عميل لحسابات twitter علي نظام windows 8، و أجمل ميزة فيه هي أنه يتيح لي التحكم التام بحساباتي المختلفة علي شبكة twitter (أمتلك ثلاث حسابات، واحدٌ لكل مدونة من مدوناتي المهمة).
wikipedia و هو برنامج لتصفح محتويات الموسوعة الحرة wikipedia بعيداً عن المتصفح، و ميزته الرئيسة أنه يبعد عنك تشويش المتصفح و يجعلك تركز علي محتويات المقال الذي تقرؤه (و قد جربتُ هذا و وجدتُه ممتعاً بالفعل). صحيحٌ أنه يفتقد للكثير من الإمكانيات حالياً، لكنه يكفي لجعلك تبتعد مسافةً إضافيةً عن المتصفح.
Evernote Touch و هو برنامجٌ لتسجيل الملاحظات و تنظيمها، ستحتاجه بشدة إن كنت تكتب الكثير من الملاحظات و تحتاج للوصول السريع المُنظَّم إليها، و أنا أستغله بطبيعة الحال في ترتيب أفكار مقالاتي المختلفة (في الصورة السفلية ظللتُ ثلاثاً من ملاحظاتي التي كان البرنامج يعرضها لي؛ حفاظاً علي خصوصيتي، و أبقيتُ المسودة الأولية لهذا المقال كمثال).
كما قلتُ مسبقاً فإن هذه البرامج (مع غيرها) تساعدني علي البقاء بعيداً قدر الإمكان عن متصفح الانترنت، و لكن حتي متصفح الانترنت الذي أستخدمه يعطيني ميزات قوية تساعدني علي توفير الوقت و الجهد؛ حيث أنني أستخدم متصفح Google Chrome الذي أعتبر من أهم مميزاته إمكانية عمل حسابات متعددة لمستخدميه، صراحةً أنا لا أعلم إن كانت هذه الميزة موجودةً في بقية المتصفحات أم لا، و لكنها عامةً تظل هامةً سواءٌ انفرد بها chrome أم لا.
و موطن أهمية هذه الميزة هو أنها تعطيك القدرة علي التسجيل في الـfacebook و/أو twitter و/أو google+ و/أو غيرهن من الشبكات الأخريات بأكثر من حساب، و كل مجموعة حساباتٍ منهن تكون مرتبطةً بحسابٍ واحدٍ علي chrome، فتقل الحاجة لعمل log out ثم log in كلما احتجتَ للدخول إلي حسابك الثاني علي أي واحدة من الشبكات المختلفة، بل يكفي أن تغير مستخدم chrome لتجد أنك تتعامل مع الشبكات المختلفة بهوية أخري غير السابقة.
- التركيز علي الأمور المهمة فيما تتابعه من تغذيات rss و/أو إشعارات facebook، و خاصةً تلك التي تتعلق بمجال عملك و/أو تخصصك، بحيث يكون كل ما تتابعه يخدم بطريقةٍ أو أخري زيادة معرفتك بأفضل الأساليب و التقنيات الحديثة لتنفيذ ما ترغب في عمله في عملك، بما تري مردوده في توفير الوقت و الجهد و زيادة كفاءة البرمجيات المُنتجَة، و من أهم الأمور التي يجب الاستزادة منها قدر الإمكان هي "هندسة البرمجيات software engineering" و خاصةً الأمور العملية التي بها و ليس الأمور النظرية الصرفة (ركز علي الأمور التي تخدمك عملياً في البداية، ثم يمكنك بعدها التوسع كما تريد)، و ضع لنفسك خطةً زمنية لما ستطالعه و تدرسه و راقب تقدمك في هذه الناحية باستمرار.
كما أنه من الأفضل أن تقوم بكتابة ما فهمته مما قرأتَه في مقالاتٍ تقنية، و يمكنك أن تنشيء مدونة خاصةً بك تنشر فيها هذه المقالات للاستفادة العامة، و ستتضاعف الاستفادة لو كان هناك من يتابع تدويناتك و يعلق عليها بما لديه من خبرة و من وجهات نظر قد تختلف عما لديك. فإن لم تستطع التدوين فعلي الأقل يجب الاحتفاظ بملاحظاتٍ فيها أهم النقاط التي استفدتَها مما قرأتَه و أن تراجع هذه الملاحظات بين فترة و أخري لإنعاش ذهنك بها.
- استخدم الأدوات التي تزيد من انتاجيتك، مثل بيئات البرمجة المتكاملة IDEs، و أنظمة إدارة الأكواد المصدرية source code management systems، و لغات البرمجة التي تناسب المهام المختلفات اللاتي تقوم بهن، و يجدر بك تخصيص بعضٍ من أوقاتك لتجربة هذه الأدوات المختلفة و المقارنة بينهن؛ حتي تري بنفسك مدي أهميتهن بالنسبة لك من عدمها، كما يجب أن تقرأ الكثير من تجارب الآخرين عن أمثال هذه الأمور.
أنا عن نفسي أستخدم بيئة البرمجة المتكاملة netbeans للبرمجة بلغة الـjava، و أستخدم نظام إدارة الإصدارات git، و أستغل إمكانيات الـnetbeans لتسهيل عملية التعامل مع git بشكلٍ فائق.
![]() |
أوامر git المختلفة كخيارات في قوائم الـnetbeans |
![]() |
عمل commit بشكل بسيط و سلس في أحد مشاريعي من داخل الـnetbeans |
لكن الغريب أنني أري الكثيرين ممن لا يزالون يجادلون في فائدة أن تستخدم مثل هذه الأدوات التي توفر الوقت و الجهد !، و وجهة نظرهم هي أن استخدام الأدوات الأخري التي لا تسهل الأمور علي المبرمج تجعله يزداد قوةً و خبرة !، بينما استخدام الأدوات المساعدة يجعل المبرمج يزداد كسلاً و اعتماداً عليها !، و هي المبررات التي أجدها ضعيفةً للغاية و خلطاَ واضحاً بين مفهومَيْ "سهولة الأدوات للتركيز علي الأمور الهامة" و "غباء الاستسهال"؛ لأنه في النهاية فإن المبرمج الذي يعتمد علي الأدوات التي تسهل عمله سيجد التحديات العقلية التي تنمي ذهنه و مهاراته في عمل الخوارزمات الخاصة بالبرامج التي يعمل عليها، ثم في التفكير في طرقٍ لجعلها أقل استهلاكاً لموارد الحاسوب الذي تعمل عليه ... إلخ. و لكن نقطة تفوقه أنه سينجز الكثير من الأعمال بالمقارنة مع المبرمج الذي يحب عمل كل شيءٍ بنفسه من الصفر دوماً.
و أرجو ألا تخلطوا بين اقتناعي التام بأن أفضل طرق التعلم هي "التعلم بالتجريب" و بناء الأدوات من الصفر، و بين اقتناع البعض بأن المبالغة في البعد عن الأدوات التي تسهل العمل البرمجي هي الأفضل و ما يجعل المبرمج أقوي و أكثر خبرةً و مهارة؛ فقناعتي لا تتعدي ضرورة أخذ الخبرة عملياً في بداية الأمر، ثم يمكنك بعدها أن تنعم باستخدام الأدوات التي تيسر لك الأمور (بل ربما تقوم أنت بنفسك بصنع بعض تلك الأدوات في نهاية الأمر)، و بذلك تكون مرحلة بناء كل شيء من الصفر مؤقتةً في هذه الحالة، بينما النوع الثاني من القَناعات يُحول مثل هذه الأمور إلي عادة (هل أقول "عقيدة" ؟) يعتادها المبرمج طوال حياته المهنية، و هو الأمر الذي يضرب الإنتاجية في مقتل.
كما يجب التنبه إلي أنه كما قلتُ فإن بعض الأدوات التي قد تحتاجها في عملك من الممكن أن تصنعها بنفسك لتلائم احتياجاتك مئة بالمئة، و قرار بناء أداة معينة لمساعدتك علي سرعة إنجاز العمل الذي تقوم به أمرٌ معتاد، فعلي الأقل ستجد أن بعض الأمور الروتينية التي تقوم بها و تستهلك وقتاً وجهداً يمكن أتمتتها باستخدام ملف به بعض الأوامر النصية script file (مثل ملفات الـ.sh و الـ.bat في أنظمة تشغيل الـunix-like و الـwindows علي الترتيب).
أنا عن نفسي احتجتُ (و لا زلتُ) للكثير من هذه الملفات في مشاريعي الحالية، و لذلك صنعتُ الكثير منها (اعتدتُ علي عمل نسخة من كل ملف، واحدة خاصة بأنظمة الـunix-like و الأخري خاصة بأنظمة الـwindows).
![]() |
أحد ملفات الأوامر التي أستخدمها لأتمتة بعض الأمور الروتينية التي أحتاجها (نسخة أنظمة الـwindows) |
و حتي فترة قريبة كانت هذه الملفات تكفيني لإنجاز الأمور بسرعة و كفاءة. لكن في الآونة الأخيرة احتجتُ لزيادة سرعة العمل و أتمتة كثير من الأمور الحرجة، و كان لهذا الأمر أولوية مطلقة عندي لأنه سوف يؤثر علي مسار المشروع بأكمله، فقمتُ ببناء أداةٍ تستخدم ملفات الأوامر بشكلٍ قمة في السرعة بالنسبة لعملي (لدرجة أن العمل الذي كان يستغرق مني أسابيعاً لعمله بات الآن بإمكاني أن أنجزه في ساعاتٍ قليلة بحمد الله تعالي !).
![]() |
بعض المهام التي يمكن لأداة "4ت" القيام بها، و التي تستهلك الكثير من الوقت و الجهد في المعتاد بالطرق اليدوية |
- إذا كان هناك أمورٌ في الأكواد تقوم بها في الكثير من مشاريعك فيجب أن تقوم بعمل مكتبة منفصلة لها تضعها فيها؛ لكي يكون بإمكانك إعادة استخدامها كما تشاء و توفر علي نفسك الكثير من الوقت و الجهد في إعادة كتابة كل تلك الأكواد (أو علي الأقل الاضطرار لنسخها ثم لصقها)، كما أنه لو اكتشفتَ خطأً معيناً في أحد تلك الأكواد و قمتَ بإصلاحه في المكتبة الخاصة بك فإن الفائدة العائدة من وراء ذلك ستشمل كل المشاريع التي استخدمتَ فيها تلك المكتبة بضربةٍ واحدة، بدلاً من الاضطرار لفعل ذات الشيء مع كل مشروع استخدمتَ فيه تلك الأكود المتكررة.
- في النهاية: ساعِد الناس بقدر استطاعتك و لكن بما لا يضيع وقتك أو يشغلك عن الأمور الهامة الأخري، أنا لا أقول لك "لا تساعد الآخرين حينما يطلبون مساعدتك" فإياك و الهرب من زكاة العلم، بل أقول لك "رشِّد الأمر جيداً، و لا تترك أوقاتك و جهودك عرضةً للتشتت بينما يمكنك مساعدة الناس و المحافظة علي وقتك و جهدك في نفس الوقت".
و الأمر ليس عويصاً إلي هذه الدرجة: فحينما يرسل إليك أحدهم يسألك عن معلومةٍ معينة فإما أن تكون تلك المعلومة لديك أو ليست لديك، فإن كانت لديك و كان أمامك وقتٌ لتشرحها له فافعل و احتسب الأجر عند الله تعالي، أما إن كانت لديك و لكن الوقت لا يسعفك فأخبره أنك ستنتهز أقرب فرصة لتخبره بها، ثم افعل ذلك حينما ييسرها الله تعالي لك.
أما إن لم تكن لديك الخبرة في هذه النقطة فقل له أنك ستبحث عما يريد حينما تتيسر لك الظروف و سترسلها له، و قم بفعل ذلك حينما تستطيع. و حينما تنتهي من إجابة تساؤلاته حاول أن تجمع المعلومات التي كتبتَها بأسلوبك و أن تنسقها، ثم ضعها في مدونةٍ علميةٍ تنشئها لكي يكون بإمكانك فيما بعد أن ترسل رابط المقال لمن سيسألك ذات الأسئلة لاحقاً. أما إن لم تستطع مساعدته بسبب الانشغال الشديد أو خلافه فأخبره بذلك و حاول أن تدله علي شخصٍ أو موقعٍ يمكنه الاستعانة به للوصول إلي ما يريد.
--------------------------
هذا المقال مشاركةٌ مني في مسابقةٍ تدوينية بسيطة علي مدونة الأخ "عبد الله المهيري"، يمكنكم رؤية تدوينته عن الأمر هـــــنــــــا.
--------------------------
* أخرجه الإمام أحمد (1 / 30)، و الترمذي برقم (2344)، و ابن ماجه برقم (4064)، و الحاكِم (4 / 318)، و ابن حبان كما في "موارد الظمآن" برقم (2048).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق